حضارة العرب في عيون الغرب !!!!

الحضارة وبكل بساطة تراث الأمة المادي والمعنوي والتراث المادي هو الآثار الضخمة من أبنية وتحف فنية أما التراث المعنوي فهو ما خلفته الأمة من علم وثقافة وفلسفة وفنون وآداب وتفكير ودين..الخ


والتراث لا يمكن له أن يكون حضارة ألا إذا توفرت فيه ثلاث مزايا وهي: أن يكون ممتازاً..أصيلاً ويسهم في تطور البشرية والتراث الذي لا تتوفر فيه تلك المزايا فسيبقى في السفح ولا يرتقي إلى القمة التي تلتقي فيها حضارات الأمم العظيمة. والحضارة تراث طويل أسهمت فيه جميع الأمم لكنه شهد النور على ضفتي النيل والرافدين وعلى شواطئ المتوسط وفي الهند والصين ثم انتقل إلى الغرب عن طريق اليونان أقرب نقطة من أوربا إلى الشرق.

ولقد مرت أيام زها فيها الغرب عجباً بنفسه فأدعى أن حضارة الإغريق إنما نشأت هكذا من العدم ولم تتأثر بغيرها من الحضارات وأطلق عليها بما يسمى المعجزة الإغريقية ولكن بمجيء عهد الموضوعية والتقيد بالحقائق ظهر هناك من يدحض هذه المزاعم ومنهم أنفسهم وذلك من خلال مجموعة من الكتب والدراسات وقع بين يدي أحدها وهو كتاب بعنوان الحضارة العربية للمستعرب الفرنسي جاك ريسلر وقد طبع هذا الكتاب عام 1962م ويستعرض الكاتب من خلاله الأسس التي قامت عليها الحضارة العربية وعن الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية إبان ازدهار الحضارة العربية ثم عن الزراعة والتجارة والصناعة والمدن الهامة وقد خصص ريسلر القسم الثالث من كتابه للحديث عن أثر الحضارة العربية في الحضارة الغربية بينما تناول في القسم الرابع غروب الحضارة العربية بعد حديث عن الأندلس وانقسامها إلى ممالك للطوائف وأسباب ضعف وتراجع الحضارة العربية في تلك الفترة..

فيبين ريسلر تأثر الحضارة الغربية بالحضارة العربية في عدة مجالات مستشهداً بالكثير من الأمثلة ففي مجال الأدب يرى أن الكوميديا الآلهية لدانتي مدين للفيلسوف ابن عربي بدين كبير فهي مليئة بالأوصاف العربية والإسلامية في تلك المقاطع التي تروي الرحلة إلى الممالك السرية في السماء والجحيم كذلك فأن جوهر خيال رواية دون كيشوت عربي فمؤلفها سرفانتس كان قد سُجن في مدينة الجزائر وكان يقول: لقد كُتب كتابي هذا أولاً باللغة العربية وقصة روبنسون كروزو لدانييل ديفو تستلهم راية حي بن يقظان الفلسفية لأبن طفيل.. أما في مجال الفن فيوضح ريسلر أن طراز العمارة العربية قد أثر في نظيراته الأوربية فطراز عمارة مسجد ابن طولون في القاهرة أثر كثيراً في الأسلوب القوطي وقدم إيحاءات لأبنية كاتدرائيات العصور الوسطى في العقود المدببة والدعامات الضخمة التي حملت أروقته..

وقد أخذ الغرب عن العرب الأرقام في مجال الرياضيات أما إذا قال قائل إن العرب قد أخذوها عن الهنود فإن الصفر الذي يعد من بين أهم فتوحات الجنس الإنساني هو من اختراع العرب فلقد اقترح محمد بن موسى الخوارزمي في كتابه مفاتيح العلوم استعمال حلقة صغيرة للمحافظة على الترتيب إذ لم يكن قد ظهر رقم يحل محل العشرات وتأتي
كلمة Algebra
من العربية وتعني الإصلاح والترميم..

وقاس العرب وهم المقتنعون بكروية الأرض درجة الهاجرة آخذين وضع الشمس في(تدمر وسنجار)وأعطت استناداً إلى حساباتهم 56ألفاً من الأميال العربية وثلثي الميل أي ما يقرب 870 متراً أكثر من الحقيقة وكانت تلك نتيجة رائعة جداً وقد قام العرب بتصحيح أخطاء بطليموس ويُعد الإدريسي هو معلم أوربا الحقيقي في مادة الجغرافيا وليس بطليموس.

و يؤكد ريسلر في كتابه أن العرب شغلوا المكان الأول في الطب وبقوا سادة العالم في العلوم الطبية خلال أكثر من خمس قرون وأن الطب والفقه بحسب حديث معزو للرسول هما نوعا العلم الأساسيان ولقد كان رحالة العصور الوسطى وهم كثر مجمعين على إعجابهم بمؤسسات الاستشفاء الموجودة في الشرق ولقد أكد نوبو ركر(أن تنظيم المستشفيات أروع ما وجدته في الثقافة العربية)ولقد ألحق بكل واحدة من هذه المؤسسات أطباء وطلاب وكحالون وجراحون وكان الطبيب يزورهم كل يوم كما يزورهم الممرضون عدة مرات وكان في بيمارستان دمشق أشهر المستشفيات عام978م وحده 24 طبيباً حيث كانت المعالجة والأدوية مجانية لثلاثة قرون.

وهكذا يبدو لنا أن الكاتب مطلعاً اطلاعاً واسعاً ومحباً ومعجباً بحضارتنا العربية حيث يصل القارئ لكتابه لنتيجة حتمية مفادها أن(الشعب العربي منح التقدم الإنساني أكبر الإسهامات أهمية في العصر الوسيط).